التوحيد: تعريفه وأقسامه
أولاً: تعريف التوحيد
1- التوحيد لغة: الإفراد.
ولا يكون الشيء مفرداً إلا
بأمرين:
1-
الإثبات التام.
2- النفي العام.
فلو قلت: زيد قائم لم تفرده؛
لاحتمال أن يكون غيره قائماً أيضاً.
لكن إن قلت: ما قائم إلا
زيد، فقد أفردته بإثباتك القيام التام له، ونفيك العام للقيام عن غيره.
2- التوحيد شرعاً: إفراد الله بحقوقه.
ولله ثلاثة حقوق:
1- حقوق ملك.
2- حقوق عبادة.
3- حقوق أسماء وصفات.
ثانياً: أقسام التوحيد
ذكر العلماء أن دلالة
الاستقراء للنصوص تفيد أن التوحيد ثلاثة أقسام:
1- توحيد الربوبية.
2- توحيد الألوهية.
3- توحيد الأسماء والصفات.
ومن العلماء -كشيخ الإسلام
وتلميذه ابن القيم- من جعل التوحيد قسمين:
1- توحيد في المعرفة
والإثبات: وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات.
2- توحيد في الطلب والقصد:
وهو توحيد الألوهية.
توضيح هذه الأقسام
1- توحيد الربوبية:
وهو إفراد الله بالخلق،
والملك، والتدبير، وهو -أيضا- توحيد الله بأفعاله.
- ودليل إفراده بالخلق قوله
-تعالى
-: "هَلْ مِنْ خَالِقٍ
غَيْرُ اللَّهِ" (فاطر: من الآية3)، وقوله: "أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ
لا يَخْلُقُ" (النحل: من الآية17).
2- توحيد الألوهية
وهو إفراد الله بالعبادة،
ومبناه على إخلاص التأله لله -تعالى- في العبادات كلها ظاهرها وباطنها، لا يجعل
فيها شيء لغيره، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فضلاً عن غيرهما، وهذا التوحيد هو
الذي تضمنه قوله -تعالى-: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ"
(الفاتحة:5) ، وقوله: "فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ
بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (هود: من الآية123)، وقوله: "وَاعْبُدْ
رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" ولا بد مع توحيد الألوهية من الإتيان
بلازمه من توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.
3- توحيد الأسماء والصفات
هو إفراد الله بما سمى به
نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ،وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف ولا تعطيل،
ومن غير تكييف ولا تمثيل
أسس هذا التوحيد:
يقوم توحيد الأسماء والصفات
على ثلاثة أسس من حاد عنها لم يكن موحداً لربه في الأسماء والصفات:
تنـزيه الله عن مشابهته الخلق، وعن أي
نقص.
الإيمان بالأسماء والصفات الثابتة في
الكتاب والسنة، دون تجاوزها بالنقص منها أو الزيادة عليها أو تحريفها أو تعطيلها.
قطع الطمع عن إدراك كيفية هذه
الصفات
أدلة هذا التوحيد:
أما الأسماء فقد دل عليها
قوله -تعالى-: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" (الأعراف:
من الآية180)، وقوله: "لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى" (الحشر: من
الآية24).
وأما الصفات فقد دل عليها
إقراره صلى الله عليه وسلم لقول الصحابي في الحديث الذي أخرجه البخاري:
"إنها صفة الرحمن"
فضل التوحيد
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من شهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله،
وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما
كان من العمل " متفق عليه.
وفي حديث عتبان -المتفق
عليه- قال صلى الله عليه وسلم : "
فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله "
وفي حديث موسى -عليه
السلام- مع ربه: قال: "يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين
السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله " رواه ابن
حبان والحاكم وصححه
ومما يدل على فضل التوحيد
خطورة وعظم الإشراك بالله -تعالى- قال -سبحانه-: "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ
أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً" (النساء:48)، والتوحيد هو
الإيمان، فمن وحد الله فهو في أمان يوم الفزع الأكبر "الَّذِينَ آمَنُوا
وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ
مُهْتَدُونَ" (الأنعام:82).
وكلمة التوحيد،هي: لا إله
إلا الله، ولا تنفع صاحبها إلا إذا تحققت شروطها، وهذه الشروط هي:
1- العلم بمعناها نفياً
وإثباتاً.
2- اليقين، وهو كمال العلم
بها المنافي للشك والريب.
3- الإخلاص المنافي للشرك.
4- الصدق المانع من النفاق.
5- المحبة لهذه الكلمة،
ولما دلت عليه والسرور بذلك.
6- الانقياد بأداء حقوقها،
وهي الأعمال الواجبة، إخلاصاً لله، وطلبا لمرضاته.
7- القبول المنافي للرد
وأختم بيان فضل التوحيد
بهذين الحديثين:
أخرج البخاري في صحيحه
بسنده عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك أن النبي _صلى الله عليه وسلم_، ومعاذ
رديفه على الرحل، قال: "يا معاذ، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك (قالها ثلاثاً)،
قال: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صدقا من قلبه إلا
حرمه الله -تعالى- على النار، قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟
قال: إذن يتكلوا، فأخبر بها معاذ عند موته تأثما "
وللترمذي عن أنس، قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"
التوحيد دعوة الرسل
قال ابن القيم -رحمه
الله-:" وجميع الرسل إنما دعوا إلى "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ" (الفاتحة:5)، فإنهم كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته، من
أولهم إلى آخرهم، فقال نوح لقومه:"اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
غَيْرُهُ" (الأعراف: من الآية59)، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وإبراهيم- عليهم
السلام-، وقال -تعالى-: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" (النحل: من الآية36)، وقال:
"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ
أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء:25). "
وقد ذكر ابن القيم أن كل
الدين يرجع إلى الفاتحة، إذ هي مشتملة على التوحيد بجميع أنواعه.
وهذا سر من أسرار تكرارها
في كل صلاة، وقراءتها في كل ركعة، وأن الصلاة لا تتم بدونها "لا صلاة لمن لم
يقرأ بفاتحة الكتاب" ([11])
وقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته بالتوحيد فكان يدعو قريشاً ويقول لهم: "
قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا" ([12]).
وعندما هاجر إلى المدينة
وقامت دولة الإسلام استمر يدعو إلى التوحيد حتى لقي ربه صلى الله عليه وسلم ، وسار خلفاؤه على هذا
المنهج، بل إن من أول ما قام به أبو بكر هو قتال المرتدين، ولم يؤجل ذلك بدعوى
استقرار الأوضاع، ويتساهل في ذلك بحجة أنهم يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمداً
رسول الله ماداموا لم يحققوا مدلولهما ومقتضاهما، وقال:" والله لأقاتلن من
فرق بين الصلاة والزكاة " ([13]).
ومع قيام الخلافة فلم يتوقف
قتال المشركين ولم تخب الدعوة إلى توحيد الله، حتى ضعفت الخلافة وتفرقت الأمة
وأصبحت شيعاً وأحزاباً، وفشا الإرجاء والاعتزال.
ثمرة التوحيد وآثاره
للتوحيد ثمار كثيرة ومنافع
عظيمة يصعب حصرها وعدها، فإذا كانت بهيمة الأنعام فيها منافع عظيمة قال الله فيها:
"وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ" (يّـس:73)،
ويقول _سبحانه_ عن نعمه: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا"
(النحل: من الآية18)، وقال عن الحج: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ" (الحج:
من الآية28).
إذا كانت هذه النعم يصعب
حصر منافعها، ولذلك جاءت كلمة "منافع" في الآيتين بالتنكير، فكيف نستطيع
أن نحصر منافع وثمار التوحيد، وهو أعظم نعمة أنعم الله بها على الخليقة، إن ما
سواه من منافع ليس إلا فرعاً عنه وأثراً منه "لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم:
من الآية7).
ولذا سأذكر بعض ثمار
التوحيد وآثاره العظيمة في الدنيا والآخرة.
قال شيخ الإسلام -ابن
تيمية-:
"وليس للقلوب سرور
ولذة تامة إلا في محبة الله -تعالى-، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تتم محبة الله
إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا الله ، وهي ملة إبراهيم
الخليل -عليه الصلاة والسلام-
وذكر ابن القيم في (زاد
المعاد):
إن توحيد الله أعظم أسباب
انشراح الصدر
وقد ذكر الشيخ السعدي في
القول السديد فضائل التوحيد فأطال،وإليك مختصر ما ذكر:
1- أن من حقق التوحيد دخل
الجنة بغير حساب ولا عذاب.
2- مغفرة الذنوب وتكفيرها.
3- أنه السبب الأعظم لتفريج
كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوبتهما.
4- أنه يمنع الخلود في
النار، إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل، وأنه إذا كمل في القلب يمنع
دخول النار بالكلية.
5- أنه يحصل لصاحبه الهدى
والكمال والأمن التام في الدنيا والآخرة.
6- أنه السبب الوحيد لنيل
رضا الله وثوابه، وأن أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه.
7- أن جميع الأعمال
والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتيب الثواب عليها على
التوحيد.
8- أنه يسهل على العبد فعل
الخير وترك المنكرات ويسليه عن المصيبات.
9- إذا كمل في القلب حبب
الله لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان.
10- أنه يخفف عن العبد
المكاره ويهون عليه الآلام.
فبحسب تكميل العبد للتوحيد
والإيمان وتلقيه المكاره والآلام بقلب منشرح ونفس مطمئنة وتسليم ورضا بأقدار الله
المؤلمة.
11- أنه يحرر العبد من رق
المخلوقين والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم، هذا هو العز الحقيقي والشرف
العالي.
12- أن التوحيد إذا تم وكمل
في القلب وتحقق تحققاً كاملاً بالإخلاص التام، فإنه يصير القليل من عمله كثيراً،
وتضاعفت أعماله وأقواله بغير حصر ولا حساب، ورجحت كلمة الإخلاص في ميزان العبد
بحيث لا تقابلها السموات والأرض.
13- أن الله تكفل لأهله
بالفتح والنصر في الدنيا، والعز والشرف، وحصول الهداية والتيسير لليسر، وإصلاح
الأحوال، والتسديد في الأقوال والأفعال.
14- أن الله يدفع عن
الموحدين أهل الإيمان شرور الدنيا والآخرة، ويمن عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة
إليه والطمأنينة بذكره.